سورة الحشر - تفسير نيل المرام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحشر)


        


الآية الأولى:
{ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (5)}.
{ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (5)} قال مجاهد: إن بعض المهاجرين وقعوا في قطع النخل، فنهاهم بعضهم وقالوا: إنما هي مغانم للمسلمين. وقال الذين قطعوا: بل هو غيظ للعدو، فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطع النخيل وتحليل من قطعه من الإثم.
واختلف المفسرون في تفسير اللينة؟
فقال الزهري ومالك وسعيد بن جبير وعكرمة والخليل: إنها النخل كله إلا العجوة.
وقال الثوري: هي كرام النخل.
وقال أبو عبيدة: إنها جميع ألوان التمر سوى العجوة والبرني.
وقال جعفر بن محمد: إنها العجوة خاصة.
وقيل: هي ضرب من النخل.
وقال الأصمعي: هي الدقل، وأصل اللينة لونة فقلبت الواو الساكنة ياء لانكسار ما قبلها، وجمع اللينة لين، وقيل: ليان.
وقد استدل بالآية على أن حصون الكفار وديارهم لا بأس بأن تهدم وتحرق وترمى بالمجانيق، وكذلك قطع أشجارهم ونحوها.
وكذا استدل بها على جواز الاجتهاد، وعلى تصويب المجتهدين، والبحث مستوفى في كتب الأصول.


الآية الثانية:
{وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)}.
{وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ}: أي ما رده عليه من أموال الكفار، والضمير عائد إلى بني النضير.
{فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ} يقال: وجف البعير يجف وجفا: وهو سرعة السير، وأوجفه صاحبه إذا حمله على السير السريع.
والركاب: ما يركب من الإبل خاصة.
والمعنى لم تركبوا لتحصيله خيلا ولا إبلا ولا تجشمتم لها مشقة ولا لقيتم به حربا، وإنما كانت من المدينة على ميلين، فجعلها اللّه سبحانه لرسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وبارك وسلم خاصة، فإنه افتتحها صلحا وأخذ أموالها، وقد كان يسأله المسلمون أن يقسم لهم فنزلت الآية.
{وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ}: من أعدائه، وفي هذا بيان أن تلك الأموال كانت خاصة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم دون أصحابه، لكونهم لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب، بل مشوا إليها مشيا ولم يقاسوا فيها شيئا من شدائد الحروب.
{وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)}، يسلط من يشاء على من أراد، ويعطي من يشاء ويمنع من يشاء، {لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23)} [الأنبياء: 23].


الآية الثالثة:
{ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (7)}:
{ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ}: هذا بيان لمصارف الفيء بعد بيان أنه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم خاصة، والتكرير لقصد التقرير والتأكيد.
ووضع {مِنْ أَهْلِ الْقُرى}، موضع قوله: {مِنْهُمْ} للإشعار بأن هذا الحكم لا يختص ببني النضير وحدهم، بل هو حكم على كل قرية يفتحها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم صلحا، ولم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب.
والمراد بالقرى بنو النضير وقريظة وفدك وخيبر.
وقد تكلم أهل العلم في هذه الآية والتي قبلها: هل معناهما متفق أو مختلف؟
فقيل: معناهما متفق كما ذكرنا، وقيل: مختلف. وفي ذلك كلام لأهل العلم طويل.
قال ابن العربي: لا إشكال في أنها ثلاثة معان في ثلاث آيات:
أما الآية الأولى وهي قوله: {وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} فهي خاصة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، خالصة له وهي أموال بني النضير وما كان مثلها.
وأما الآية الثانية وهي: {ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى} فهذا كلام مبتدأ غير الأول المستحق غير الأول، وإن اشتركت هي والأولى في أن كل واحدة منهما تضمنت شيئا أفاءه اللّه على رسوله، واقتضت الآية الأولى أنه حاصل بغير قتال، واقتضت آية الأنفال وهي الآية الثالثة أنه حاصل بقتال، وعريت الآية الثانية وهي: {ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى} عن ذكر حصوله بقتال أو بغير قتال، فنشأ الخلاف من هاهنا:
فطائفة قالت: هي ملحقة بالأولى وهي مال الصلح.
وطائفة قالت: هي ملحقة بالثالثة وهي آية الأنفال، والذين قالوا إنها ملحقة باية الأنفال اختلفوا هل هي منسوخة؟ أو محكمة؟ هذا أصل كلامه.
وقال مالك: إن الآية الأولى من هذه السورة خاصة برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، والآية الثانية هي في بني قريظة، يعني أن معناها يعود إلى آية الأنفال.
ومذهب الشافعي أن سبيل خمس الفيء سبيل خمس الغنيمة، وأن أربعة أخماسه كانت للنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وهي بعده لمصالح المسلمين.
{فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}: المراد بقوله: {فَلِلَّهِ} أنه يحكم فيه بما يشاء، وللرسول ويكون ملكا له، ولذي القربى، وهم بنو هاشم وبنو المطلب، لأنهم قد منعوا من الصدقة فجعل لهم حقا في الفيء، قيل: تكون القسمة في هذا المال على أن تكون أربعة أخماسه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وخمسه يقسم أخماسا للرسول خمس ولكل صنف من الأصناف الأربعة المذكورة خمس.
وقيل: يقسم أسداسا، السادس سهم اللّه سبحانه، ويصرف إلى وجوه القرب، كعمارة المساجد ونحو ذلك.
{كَيْ لا يَكُونَ}: أي الفيء.
{دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ} دون الفقراء.
والدولة: اسم للشيء يتداوله القوم بينهم يكون لهذا مرة ولهذا مرة.
قال مقاتل: المعنى أنه يغلب الأغنياء الفقراء فيقسمونه بينهم ثم لما بين لهم سبحانه مصارف هذا المال أمرهم بالاقتداء برسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقال: {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ}: أي ما أعطاكم من مال الغنيمة.
{فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ}: أي عن أخذه.
{فَانْتَهُوا} عنه ولا تأخذوه.
قال الحسن والسدي: ما أعطاكم من مال الفيء فاقبلوه، وما منعكم منه فلا تطلبوه.
وقال ابن جريج: ما أتاكم من طاعتي فافعلوا وما نهاكم عنه من معصيتي فاجتنبوه.
والحق أن هذه الآية عامة في كل شيء يأتي به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من أمر أو نهي أو قول أو فعل، وإن كان السبب خاصا فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكل شيء أتانا به من الشرع فقد أعطانا إياه وأوصله إلينا، وما أنفع هذه الآية وأكثر فائدتها.
ثم لما أمرهم بأخذ ما أمرهم بأخذه الرسول وترك ما نهاهم عنه أمرهم بتقواه وخوفهم شدة عقوبته فقال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ} فهو معاقب لمن لم يأخذ ما آتاه الرسول ولم يترك ما نهاه عنه.